لقول من جوز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح، يأباه قوله (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) وعن أبى عمرو ويعقوب: (إثرى)، بالكسر وعن عيسى بن عمر: (أثرى) بالضم. وعنه أيضا: (أولا) بالقصر. والأثر أفصح من الأثر. وأما الأثر فمسموع، والمراد فالأفصح كثرة جريانه على ألسنة الفصحاء في فرند السيف «1» مدوّن في الأصول. يقال: إثر السيف وآثره، وهو بمعنى الأثر غريب.
فإن قلت: (وما أَعْجَلَكَ) سؤال عن سبب العجلة فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك أو الشوق إلى كلامك وتنجز موعدك. وقوله (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) كما ترى غير منطبق عليه. قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين)، يريد أن قوله: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ) في الظاهر سؤالٌ عن سبب العجلة، ولما تضمن معنى الإنكار أفاد أيضاً إنكار نفس العجلة؛ لأن نفس العجلة لو لم تكن مُنكرةً لم يكن الحاملُ عليها منكراً، ولهذا قدم عُذر نفس العجلة في الجواب على العُذر على السبب الحامل عليها اهتماماً بشأنه، وإليه الإشارة بقوله: فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط عذره تمهيداً لعلةٍ في نفس ما أنكر عليه، وقال القاضي: (وَمَا أَعْجَلَكَ): سؤالٌ عن سبب العجلة يتضمنُ إنكارها من حيث إنها نقيصةٌ في نفسها، وانضم إليها إعفال القوم وإيهامُ التعظيم عليهم.
وقال صاحب "الفرائد": الواو لمطلق الجمع، والجواب مجموعُ الكلام، فلا يلزم التقدم الذي ذكر، ألا ترى إلى أنه قال: (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) [البقرة: 58]، وقال في موضع آخر: (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً) [الأعراف: 161]، والقصة واحدةٌ، فظاهر كلامه يقتضي أن يكون موسى عليه السلام رد قوله تعالى: (وَمَا أَعْجَلَكَ) بقوله: