أي شيء عجل بك عنهم؟ على سبيل الإنكار، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب. ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به، بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى، وزل عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت، فالمراد بالقوم: النقباء، وليس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أي شيء عجل بك عنهم؟ على وجه الإنكار)، الراغب: العجلةُ: طلبُ الشيء وتحريه قبل أوانه، وهي من مقتضى الشهوة، فلذلك صارت مذمومةً في عامة القرآن، حتى قيل: "العجلةُ من الشيطان"، وقوله تعالى: (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء: 37] فيه تنبيهٌ على أنه لا يتعرى من ذلك، وأن ذلك أحدُ القوى التي رُكب عليها، وعلى ذلك قال: (وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً) [الإسراء: 11]، وأما قوله: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84]، فذكر أن عجلته وإن كانت مذمومة فالذي دعا إليها أمرٌ محمودٌ وهو رضى الله.
قوله: (وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب)، إلى قوله: "وزل عنه أنه تعالى ما وقت أفعاله إلا نظراً إلى دواعي الحكمة فيه"، إشعارٌ بأنه عليه السلام ما تقدم القوم تقدم الموعد المضروب أيضاً. وقال الإمام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) يدل على أنه ذهب إلى الميعاد قبل الوقت الذي عينه الله تعالى له.
وقلت: يرد هذا التأويل قوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [الأعراف: 142] إلى قوله: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا)، قال المصنف: (لِمِيقَاتِنَا): لوقتنا الذي وقتنا له وحددنا، وإنما المراد بـ"عجلتُ إليك": عجلتُ عن قومي، لا عن المقيات، لقوله تعالى: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى)، والله أعلم.