[(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَاخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً)].
(لِمَساكِينَ) قيل: كانت لعشرة إخوة؛ خمسة منهم زمنى، وخمسة يعملون في البحر (وَراءَهُمْ) أمامهم، كقوله تعالى: (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ) [المؤمنون: 100]، وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه، وما كان عندهم خبره، فأعلم الله به الخضر وهو «جلندى». فإن قلت: قوله: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب، فلم قدّم عليه؟ قلت: النية به التأخير، وإنما قدم للعناية، ولأنّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القُشيري في "رسالته" عن بعضهم: لما نطق موسى عليه السلام بذكر الطمع، وقال: (لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)، قال له الخضر: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ).
قوله: (فكان حقه أن يتأخر عن السبب)، أي: كان حق النظم أن يتأخر قوله: (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا) عن قوله: (وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ)؛ لأن إرادة التعييب مسبب عن خوف الغصب.
قوله: (وإنما قُدم للعناية)، وهي أن لا يحيط به علمُ موسى عليه السلام، وأنه العالم بمثل ما خفي على مثله، لقوله: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً)، قال صاحب "المُطلع": قُدم ليشير إلى العناية، أي: تتعجب منه يا موسى، وهذا مهمي وأنا مأمورٌ به.
قوله: (ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده)، قال القاضي: إن السبب لما كان مجموع الأمرين: خوف الغصب ومسكنة المُلاك، رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما، وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم، وقال صاحب "الانتصاف": كأنه جعل السبب كونها