الهفوات في تلك الحال المهولة المحذورة، ولئلا يتخلف منهم أحد لغرض له فيصيبه العذاب، وليكون مسيره مسير الهارب الذي يقدّم سربه ويفوت به، ونهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم، وليوطنوا نفوسهم على المهاجرة ويطيبوها عن مساكنهم، ويمضوا قدماً غير ملتفتين إلى ما وراءهم كالذي يتحسر على مفارقة وطنه فلا يزال يلوى إليه أخادعه، كما قال:
تَلَفَّتُّ نَحْوَ الحَىّ حَتّي وَجَدتُنِي ... وَجِعْتُ مِنَ الإِصْغَاءِ لِيتاً وَأَخْدَعَا
أو جعل النهى عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف؛ لأنّ من يلتفت لا بدّ له في ذلك من أدنى وقفة (حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) قيل: هو مصر، وعدّى (وَامْضُوا) إلى (حَيْثُ) تعديته إلى الظرف المبهم، لأن (حَيْثُ) مبهم في الأمكنة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يقدم سربه)، النهاية: السربُ- بالكسر- والسربة: القطيع من الظباء والقطا والخيل ونحوها، ومن النساء على التشبيه بالظباء.
قوله: (ويفوتُ به) فاتني بكذا: سبقني به، وذهب به عني. في "الأساس"، والضمير في "به" راجع إلى "السرب",
قوله: (ويمضوا قُدماً) بضمتين، يقال: ومضى قُدماً: لم ينثن، ولم يُعرج.
قوله: (تلفت نحو الحي) البيت، قال المرزوقي: يقول: أخذت مسيري لما أبصرت حال نفسي، وتأثير الصبابة فيها، ملتفتاً إلى ما خلفته من الحي، حتى وجدتُني وجع الليت، أي صفحة العنق، والأخدع، وهو عرق فيها، لطول إصغائي ودوام التفاتي كل ذلك تحسراً في أثر الفائت من أحبابي وديارهم، وتذكراً لطيب أوقاتي معهم فيها.
قوله: (وُعدي (وَامْضُوا) إلى (حَيْثُ) تعديته إلى الظرف المبهم) يعني: (حَيْثُ)