فأنى يكون استثناء من استثناء. وقرئ (لَمُنَجُّوهُمْ) بالتخفيف والتثقيل. فإن قلت: لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) والتعليق من خصائص أفعال القلوب؟ قلت: لتضمن فعل التقدير معنى العلم، ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم. فإن قلت: فلم أسند الملائكة فعل التقدير- وهو لله وحده- إلى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كقولك: له عندي عشرة إلا أربعة إلا درهماً، فإن الدرهم مستثنى من الأربعة، فهو مضاف إلى العشرة، فكأنك قلت: أحد عشر إلا أربعة، أو: عشرة إلا ثلاثة.

قوله: (وقرئ (لَمُنَجُّوهُمْ) بالتخفيف والتثقيل)، بالتخفيف: حمزة والكسائي وأبو بكر.

قوله: (ولذلك فسر العلماء تقدير الله أعمال العباد بالعلم) أي: المعتزلة يقولون: إن معنى قوله: إن الله قدر على العباد: عَلِمَ، بدليل قوله في تفسير قوله تعالى: (حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [الزمر: 71]: ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح المحفوظ، وتلك كناية معلوم، لا كناية مقدر ومراد، تعالى الله عن ذلك. والأصل: (قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ) فعلقه عن العمل باللام، ثُم جاء بـ (إنَّ). قال القاضي: ويجوز أن يكون (قَدَّرْنَا) مُجرى مَجرى قُلنا؛ لأن التقدير بمعنى القضاء قولٌ، وأصله جعلُ الشيء على مقدار غيره.

وقال صاحب "الانتصاف": هذا من دفائن الزمخشري في الاعتزال في جحد القضاء والقدر، إذا المعتزلة يمنعون تعلق القدرة بالمعاصي، فالتقدير عندهم: هو العلمُ، لا الإرادة، ثم استدل على أن التقدير بمعنى العلم، بتعليق فعله. وفي كلامه شاهد على رده؛ لأن التضمين من شأنه أن يُبقي المعنى الأصلي مضافاً إليه المعنى الطارئ، فيفيدهما جميعاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015