أنفسهم، ولم يقولوا: قدّر الله؟ قلت: لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم، كما
يقول خاصة الملك: دبرنا كذا وأمرنا بكذا، والمدبر والآمر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالتقدير: كما أفاد العلم الطارئ أفاد الإرادة أيضاً، على أن من الناس من جعل قوله تعالى: (قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنْ الْغَابِرِينَ) من كلامه تعالى غير محكي عن الملائكة، وهو الظاهر؛ لأن القائل بالأول يحتاج إلى التأويل، كما قال الزمخشري: "إنه من باب قول خواص الملك"، لأنا إذا جعلنا (قَدَّرْنَا) بمعنى علمنا أنها من الغابرين فلا غرو في علم الملائكة ذلك بإخبار الله إياهم به، إنما يحتاج إلى التأويل من جعل قدرنا بمعنى قضينا، وجعله من قول الملائكة.
الإنصاف: القول بأن التضمين يقتضي إرادة الفعلين: المضمن والمضمن فيه معاً مردود، فإنه يجوز أن يؤتى فيه بما يقتضيه أحدهما دون الآخر، فكأنه معمول أحدهما خاصة، ألا ترى إلى قوله:
قد قتل الله زياداً عني
ضمن "قتله" معنى: صرفه، وأتى بـ "عني" التي هي معمول "صرفه"، لا معمول "قتله".
وقلت: هذا خطأ؛ لأن التقدير: قد صرف الله زياداً عني قتلاً، أو "قتل" مستعار للصرف على سبيل التبعية، والقرينة الجار.
الراغب: الغابر: الماكث بعد مُضي ما معه، قال تعالى: (إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ)، يعني: قد طال أعمارهم. وقيل: فيمن بقي ولم يسر مع لوط. وقيل فيمن بقي في العذاب، ومنه الغبرة: البقية من اللبن في الضرع.