إرسالهم إلى القوم المجرمين؛ كإرسال الحجر أو السهم إلى المرمىّ، في أنه في معنى التعذيب والإهلاك، كأنه قيل: إنا أهلكنا قوما مجرمين، ولكن آل لوط أنجيناهم. وأمّا في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال، وعلى أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء، فلا يكون الإرسال مخلصا بمعنى الإهلاك والتعذيب كما في الوجه الأوّل. فإن قلت: فقوله: (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) بم يتعلق على الوجهين؟ قلت: إذا انقطع الاستثناء جرى مجرى خبر "لكنّ" في الاتصال بآل لوط، لأنّ المعنى. لكن آل لوط منجون، وإذا اتصل كان كلاما مستأنفاً، كأنّ إبراهيم عليه السلام قال لهم: فما حال آل لوط، فقالوا: إنا لمنجوهم. فإن قلت: فقوله (إِلَّا امْرَأَتَهُ) ممّ استثنى، وهل هو استثناء من استثناء؟ قلت: استثنى من الضمير المجرور في قوله لَمُنَجُّوهُمْ وليس من الاستثناء من الاستثناء في شيء، لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه، وأن يقال: أهلكناهم إلا آل لوط، إلا امرأته، كما اتحد الحكم في قول المطلق: أنت طالق ثلاثاً، إلا اثنتين، إلا واحدة. وفي قول المقرّ: لفلان علىّ عشرة دراهم، إلا ثلاثة، إلا درهما. فأمّا في الآية فقد اختلف الحكمان، لأنّ (إِلَّا ءالَ لُوطٍ) متعلق ب (أرسلنا)، أو (بمجرمين). (وإِلَّا امْرَأَتَهُ) قد تعلق بـ (لمنجوهم)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فقد اختلف الحُكمان؛ لأن (إِلاَّ آلَ لُوطٍ) متعلق بـ (أَرْسَلْنَا) ... ، و (إِلاَّ امْرَأَتَهُ) قد تعلق بـ (لَمُنَجُّوهُمْ))، قال صاحب "التقريب": وقد يُتوهم أن الإرسال إذا كان بمعنى الإهلاك، فلا اختلاف إذ التقدير: إلا آل لوط لم نُهلكهم، فهو بمعنى (لَمُنَجُّوهُمْ). وجوابه: أن الاستثناء من الاستثناء شرطه أيضاً أن لا يتخلل لفظ بين الاستثناءين متعدد يصلح مستثنى منه، وههنا تخلل (إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ)، فلو قال: إلا آل لوط إلا امرأته، لجاز ذلك. وقلتُ: لا سيما أن قوله: (إنَّا لَمُنَجُّوهُمْ) على تقدير أن يكون الاستثناء متصلاً- جُملةٌ منقطعة عما قبلها على تقدير سؤال سائل، فيبعُدُ من البليغِ أن يجعلَ ما في حيزه متعلقاً بما قبله.

وقال أبو البقاء: والاستثناءُ إذا جاء بعد الاستثناء كان الاستثناء الثاني مضافاً إلى المبتدأ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015