(فَمَنْ تَبِعَنِي) على ملتي وكان حنيفاً مسلماً مثلي (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي: هو بعضي لفرط اختصاصه بي وملابسته لي، وكذلك قوله: «من غشنا فليس منا» أي: ليس بعض المؤمنين، على أنّ الغش ليس من أفعالهم وأوصافهم، (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تغفر له ما سلف منه من عصياني إذا بدا له فيه واستحدث الطاعة لي. وقيل: معناه (ومن عصاني) فيما دون الشرك.
[(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لعلهم يَشْكُرُونَ)].
(مِنْ ذُرِّيَّتِي) بعض أولادي، وهم إسماعيل ومن ولد منه (بِوادٍ) هو وادي ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((فَإِنَّهُ مِنِّي) أي: هو بعضي)، لا يريد أن "من" في قوله: (مِنِّي) تبعيضية، وإن صرح بلفظ البعض، بل هي اتصالية، كقوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)، ولهذا قال: "لفرط اختصاصه بي وملابسته لي".
قوله: ((وَمَنْ عَصَانِي) فيما دون الشرك)، يدل على أنه حمل "العصيان" في الوجه الأول على الشرك، لأنه مقابل لقوله: (فَمَنْ تَبِعَنِي) على ملتي، وكان حنيفاً مسلماً"، أي: موحداً، والكلام مبني على التخييل والتورية، كما سبق في قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) [التوبة: 80].
قال القاضي: " (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي: تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء أو بعد التوفيق للتوبة، وفيه دليل على أن كل ذنب فلله أن يغفره حتى الشرك، إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره".