باطلاً لبين الله بطلانه وأظهر إنكاره، على أنه لا طائل له في النطق بالباطل في ذلك المقام: ألا ترى إلى قوله (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ) كيف أتى فيه بالحق والصدق، وفي قوله (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) وهو مثل قول الله تعالى: (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر: 42]، (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) لا ينجي بعضنا بعضاً من عذاب الله ولا يغيثه. والإصراخ: الإغاثة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لَهَدَيْنَاكُمْ)، فكما دل قول الشيطان على ظاهر مذهبكم، دل قول المستكبرين على خلافه.
ولعمري إنه تفسير بالرأي، وذلك أنه حين سمع أن قول المستكبرين مخالف لمذهبه قال: "إما موركين الذنب وإما معتذرين بعدم اللطف"، وحين رأي الشيطان يقول بما يوافق مذهبه شنع على أهل السنة.
ثم إني بعد برهة من الزمان وقفت على كلام من جانب صاحب "الانتصاف"، وهو قوله: "حمل كلام الكفار في الأول على الإبطال؛ إذ لا يوافق مذهبه، واستشهد على أن الذنب غير ممتنع بقوله: (فَيَحْلِفُونَ لَهُ)، ولما وافق قول الشيطان معتقده صوبه اتباعاً لهواه، ونحن نعتقد أن الملامة إنما تتوجه على المكلف، وتعالى الله عن توجه تلك إليه، ولله الحجة البالغة، لأن الله تعالى خلق للعبد اختياراً يجده من نفسه في الأفعال الإرادية ضرورة، وبذلك قامت الحجة عليه، وإن سلبنا تأثير قدرة الخلق، لأن الله تعالى قدرته سارية في الفعل، فلا تناقض لأن توجه اللوم إلى المكلفين"، فعلمت توارد الخواطر.