{لما قضي الأمر} لما قطع الأمر وفرغ منه، وهو الحساب، وتصادُر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول الآخر النار. وروي: أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيبا في الأشقياء من الجن والإنس فيقول ذلك: {إن الله وعدكم وعد الحق} وهو البعث والجزاء على الأعمال، فوفى لكم بما وعدكم، {ووعدتكم} خلاف ذلك، {فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان} من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي وألجئكم إليها، {إلا أن دعوتكم} إلا دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني، وليس الدعاء من جنس السلطان، ولكنه كقلك: ما تحيتهم إلا الضرب.

{فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} حيث اغتررتم بي وأطعتموني إذ دعوتكم، ولم تطيعوا ربكم إذ دعاكم، وهذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه، وليس من الله إلا التمكين، ولا من الشيطان إلا التزيين.

ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال: فلا تلوموني ولا أنفسكم، فإن الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه.

فإن قلت: قول الشيطان باطل لا يصح التعلق به؟ قلت: لو كان هذا القول منه ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليوسف عليه السلام، وأن يكون مقولاً لها، وهذا القدر كاف في صحة التشبيه.

قوله: (ما تحيتهم إلا الضرب)، جعل "التحية" نوعين: متعارف؛ وهي ما يقال عند الملتقى، وغير متعارف؛ وهي الضرب على التهكمية والادعاء، فأخرج بالاستثناء أحد النوعين.

قوله: (ولو كان الأمر كما تزعم المجبرة لقال: فلا تلوموني ولا أنفسكم، فإن الله قضى عليكم الكفر)، وقلت: غاية هذا الاستدلال أن الشيطان أضاف اللوم إلى أنفسهم، ونحن نقول بموجبه، لأن العتاب والعقاب متوجهان إلى المكلف بسبب كسبه ومباشرته، لأنه في الظاهر كالمختار، ولأن قول الشيطان معطوف على قول الضعفاء، وكلتا القضيتين حكاية لقول الفريقين، ومخاصمة جرت بين الحزبين، وهما تفصيلان لما أجمل في قوله: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً)، وذكر في الآية الأولى احتجاج المستكبرين على المستضعفين، وهو قولهم: (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015