فإن قلت: كيف صح أن يجعل من كلام يوسف ولا دليل على ذلك؟ قلت: كفى بالمعنى دليلاُ قائداُ إلى أن يجعل من كلامه. ونحوه قوله (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ* يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) [الأعراف: 109 - 110]، ثم قال (فَماذا تَامُرُونَ) [الأعراف: 110] وهو من كلام فرعون يخاطبهم ويستشيرهم.

وعن ابن جريج: هذا من تقديم القرآن وتأخيره، ذهب إلى أن (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) [يوسف: 52] متصل بقوله: (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول) [يوسف: 50]، ولقد لفقت المبطلة رواياتٍ مصنوعة، فزعموا أن يوسف حين قال: (أني لم أخنه بالغيب) [يوسف: 52]، قال له جبريل: ولا حين هممت بها، وقالت له امرأة العزيز: ولا حين حللت تكة سراويلك يا يوسف، وذلك لتهالكهم على بهت الله ورسله.

[(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ)].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أشرف إليها على مر، كيف وأني هممت بها لولا أن رأيت برهان ربي، فعلى هذا: قوله: (إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي) إشارة إلى ذلك البرهان، والاستثناء منقطع، وكان ذلك منه عليه السلام تفادياً عن الركون إلى إطراء المدح، وتصديقاً لقوله: (وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ)، أي: المتوغلين في الصدق.

قوله: (هذا من تقديم القرآن)، أي: ذهب ابن جريج إلى أن قوله تعالى: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ) متصل بقوله: (فَاسْأَلْهُ)، كأنه قيل: فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ليخبرنه ببراءتي، وذلك السؤال لأجل أن يعلم أني لم أخنه بالغيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015