وقيل معناه: ذلك ليعلم أني لم أخنه لأنّ المعصية خيانة.
وقيل: هو من كلام امرأة العزيز، أي: ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصحيح والصدق فيما سئلت عنه وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة، فإني قد خنته حين قرفته وقلت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يُسجن، وأودعته السجن، تريد الاعتذار مما كان منها - إنّ كل نفس (لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي) إلا نفساً رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: معناه: ذلك ليعلم الله)، معطوف على قوله: "ذلك التثبت والتشمر لظهور البراءة ليعلم العزيز".
فإن قلت: ما معنى قول يوسف: ليعلم الله أني لم أخنه بالغيب؟ قلت: معنى قوله تعالى: (لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) [البقرة: 143]، وذلك أن الله لم يزل عالماً بأن يوسف لم يخنه، لكن المراد أن يسأل الملك ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن، ليجزي الله بصبري عن معصية الله، لأن معصيته خيانة، بأن يظهر بسؤاله براءة ساحتي، ويكرمني ويرفع منزلتي.
قوله: (وقيل: هو من كلام امرأة العزيز)، معطوف على قوله: " (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ) من كلام يوسف"، والأول أوفق لتأليف النظم من غير تقديم ولا تأخير، وذلك أن النسوة لما بر أن ساحته على سبيل التأكيد، حيث جعلن (حَاشَ لِلهِ) تمهيداً وتشبثاً بقوله: (مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ)، فنفين عنه السوء المنكر على سبيل الاستغراق، وكذا امرأة العزيز قدمت الفاعل المعنوي في قولها: (أَنَا رَاوَدتُّهُ) على سبيل الاختصاص، وأتبعته قولها: (وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ) تقريراً له، أي: هو من زمرة الصادقين، وله مساهمة في الصدق، وأن هذا الوصف كاللقب المشهور له، قال يوسف: (ذَلِكَ) أي: ذلك السؤال والجواب (لِيَعْلَمَ) الملك أني لم أخن العزيز بظهر الغيب في حرمته، ومن ذلك (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) براءة كلية كما