يقال استخلصه واستخصه، إذا جعله خالصاً لنفسه وخاصاً به (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) وشاهد منه ما لم يحتسب (قالَ) أيها الصديق (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ) ذو مكانة ومنزلة (أَمِينٌ) مؤتمن على كل شيء. روي أنّ الرسول جاءه فقال: أجب الملك، فخرج من السجن ودعا لأهله: اللهم أعطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعمّ عليهم الأخبار، فهم أعلم الناس بالأخبار في الواقعات. وكتب على باب السجن: هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة
الأصدقاء، ثم اغتسل وتنظف من درن السجن، ولبس ثيابا جدداً» فلما دخل على الملك قال: اللهمّ إني أسألك بخيرك من خيره، وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره، ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية، فقال: ما هذا اللسان؟ قال: لسان آبائي، وكان الملك يتكلم بسبعين لساناً، فكلمه بها فأجابه بجميعها، فتعجب منه وقال: أيها الصدّيق، إني أحب أن أسمع رؤياي منك. فقال: رأيت بقرات فوصف لونهنّ وأحوالهنّ ومكان خروجهنّ، ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التي رآها الملك لا يخرم منها حرفاً، وقال له: من حقك أن تجمع الطعام في الأهراء، فيأتيك الخلق من النواحي يمتارون منك، ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحدٍ قبلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ولا تعم عليهم الأخبار)، الجوهري: "عميت معنى البيت تعمية، ومنه المعمى"، فقوله: "اعطف عليهم قلوب الأخيار" كناية عن طلب خلاصهم، وقوله: "ولا تُعم عليهم" كناية عن طلب ما به يحصل تسليهم في ذلك المكان من الاعتبار بالواقعات.
قوله: (في الأهراء)، واحدها: هري، وهو الأنبار، ولم أجده إلا في الحاشية.