وظنا أنّ ما رأياه في معنى ما نزل بهما، فكأنهما كانا يستفتيانه في الأمر الذي نزل بهما أعاقبته نجاة أم هلاك، فقال لهما: (قضي الأمر الذي فيه تستفتيان)، أي: ما يجرّ إليه من العاقبة، وهي هلاك أحدهما ونجاة الآخر. وقيل: جحدا وقالا: ما رأينا شيئاً، على ما روي أنهما تحالما له، فأخبرهما أن ذلك كائن صدقتما أو كذبتما.
[(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)].
(ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ) الظانّ هو يوسف إن كان تأويله بطريق الاجتهاد، وإن كان بطريق الوحي فالظان هو الشرابي، ويكون الظنّ بمعنى اليقين (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) صفني عند الملك بصفتي، وقص عليه قصتي،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السجن لها، وهل لهما الخلاص من ذلك في العاقبة، فالأمر والشأن هو مجموع هذه الاعتبارات وزبدتها وخلاصتها، ولذلك عاد في بيانه بقوله: "أي: ما يجر إليه من العاقبة" إلى آخره.
قال صاحب "الفرائد": يمكن أن يقال: المراد بـ "الأمر": "التأويل" في قوله: (نَبِّئْنَا بِتَاوِيلِهِ)، وعبارة الرؤيا واحدة، وإن تعددت، وما ذكر لا يوافق ما قيل من أنهما تحالما ليمتحناه، وهو قوله: "وظنا أن ما رأياه في معنى ما نزل بهما".
وقلت: هو ما عنى بـ "الأمر" إلا "التأويل" الذي هو بمعنى العاقبة، كما سبق أنه ذكر في "الأساس": "لا تعول على الحسب تعويلاً، فالتقوى أحسن تأويلاً، أي: عاقبة"، ألا ترى إلى قوله في الجواب الأول: "أي: ما يجر إليه من العاقبة"، وفي الثاني: "أن ذلك كائن"، والمشار إليه هو قوله: "هلاك أحدهما ونجاة الآخر"، وهو تفسير لقوله: "ما يجر إليه من العاقبة".