(ذلِكُما) إشارة لهما إلى التأويل، أي: ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وأوحى به إليّ ولم أقله عن تكهن وتنجم (إِنِّي تَرَكْتُ) يجوز أن يكون كلاماً مبتدأ، وأن يكون تعليلاً لما قبله. أي: علمني ذلك وأوحي إليّ، لأني رفضت ملة أولئك واتبعت ملة الأنبياء المذكورين وهي الملة الحنيفية، وأراد بأولئك الذين لا يؤمنون: أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم، وتكريرهم للدلالة على أنهم خصوصاً كافرون بالآخرة، وأنّ غيرهم كانوا قوماً مؤمنين بها، وهم الذين على ملة إبراهيم، ولتوكيد كفرهم بالجزاء تنبيهاً على ما هم عليه من الظلم والكبائر التي لا يرتكبها إلا من هو كافر بدار الجزاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلى كذا؛ أي: رجع وصار إليه، وتأويل الآية: نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى دليل، لولاه ما ترك ظاهر اللفظ".
الأساس: "أول الحكم إلى أهله: رده إليهم، ومن المجاز: يقال: لا تعول على الحسب تعويلاً، فالتقوى أحسن تأويلاً؛ أي: عاقبة".
والمراد ها هنا المجاز، يعني: إذا أخبرتكما بحقيقة ما يحمل إليكما من الطعام، ثم تجدانه كما أخبرتكما، فقد أنبأتكما بعاقبة ذلك، فهذا التأويل ليس من نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي إلى ما يحتاج إلى الدليل، بل يشبه بيان المجمل والمشكل الذي يحتاج إلى تفصيله وكشفه، وذلك أن صاحبي السجن كانا يعلمان على الإجمال ما يحمل إليهما من الطعام، لكن ماهية ذلك الطعام وكيفيته لم تكن عندهم، فإذا بين ذلك لهما فقد فسر المبهم، وإليه الإشارة بقوله: "لأن ذلك يشبه تفسير المشكل".
قوله: (ولتوكيد كفرهم بالجزاء)، معطوف على "للدلالة على أنهم" يعني: في تكرير ضميرهم وتقديمه على (كَافِرُونَ) دلالة على الاختصاص والتوكيد، فالتخصيص من التقديم، والتوكيد من التكرير، وقد أشار في تركيبه إلى ذلك بقوله: "إن غيرهم قوم مؤمنون بها"، ثم قوله: "وهم الذين على ملة إبراهيم": دل على التخصيص والتوكيد، وقوله: "للدلالة