ويجوز أن يكون فيه تعريض بما مُني به من جهتهم حين أودعوه السجن، بعد ما رأوا الآيات الشاهدة على براءته، وأنّ ذلك ما لا يقدم عليه إلا من هو شديد الكفر بالجزاء وذكر آباءه ليريهما أنه من بيت النبوّة بعد أن عرّفهما أنه نبىّ يوحى إليه، بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوى رغبتهما في الاستماع إليه واتباع قوله.
(ما كانَ لَنا) ما صحّ لنا معشر الأنبياء (أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ) أي: شيء كان من ملك أو جنيّ أو إنسيّ، فضلاً أن نشرك به صنماً لا يسمع ولا يبصر، ثم قال (ذلِكَ) التوحيد (مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ) أي: على الرسل وعلى المرسل إليهم، لأنهم نبهوهم عليه وأرشدوهم إليه (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) المبعوث إليهم (لا يَشْكُرُونَ) فضل الله فيشركون ولا يتنبهون.
وقيل: إنَّ ذلك من فضل الله علينا لأنه نصب لنا الأدلة التي ننظر فيها ونستدلّ بها. وقد نصب مثل تلك الأدلة لسائر الناس من غير تفاوت، ولكن أكثر الناس لا ينظرون ولا يستدلون اتباعا لأهوائهم، فيبقون كافرين غير شاكرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على أنهم خصوصاً كافرون بالآخرة"، ثم قوله: "ولتوكيد كفرهم بالجزاء": دل على ما دل ذلك.
قوله: (تعريض بما مني به)، أي: قدر له. النهاية: "يقال: منى الله عليك خيراً يمني منياً، ومنه سميت المنية، لأنها مقدرة بوقت مخصوص"، يعنيك تركت ملة قوم فعلوا بي ما فعلوا بعدما رأوا الآيات، ومن ثم قال: "وإن ذلك مالا يقدم عليه إلا من هو شديد الكفر بالجزاء".
قوله: (وقيل: إن ذلك من فضل الله)، أي: عدم صحة الإشراك منا معاشر الأنبياء من فضل الله تعالى، لأنه نصب الأدلة التي ينظر فيها ويستدل بها، فالمشار إليه مضمون الكلام الدال على التوحيد، و"فضل الله" على الأول: سمعي؛ لقوله: "نبهوهم عليه وأرشدوهم إليه"، وعلى الثاني: عقلي؛ لقوله: "نصب لنا الأدلة".