فإن قلت: أين جواب (أَرَأَيْتُمْ) وما له لم يثبت كما أثبت في قصة نوحٍ ولوط؟ قلت: جوابه محذوف، وإنما لم يثبت لأنّ إثباته في القصتين دلّ على مكانه، ومعنى الكلام ينادي عليه. والمعنى: أخبروني إن كنت على حجةٍ واضحةٍ ويقين من ربي، وكنت نبياً على الحقيقة، أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي؟ والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك؟ يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده. ويلقاك الرجل صادراً عن الماء فتسأله عن صاحبه؟ فيقول: خالفني إلى الماء، يريد أنه قد ذهب إليه وارداً وأنا ذاهب عنه صادراً. ومنه قوله تعالى: (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يعني: أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها، لأستبد بها دونكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المداومة على الصلاة من أفعال المجانين والموسوسين لا يطابق حالك وما شهرت به، لأنك كنت متواصفاً بالحلم والرشد في قومك، والله أعلم.

قوله: (كما أثبت في قصة نوح ولوط عليهما السلام): والصحيح: قصة نوح وصالح؛ أما في قصة نوح: فهو قوله: (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ) [هود: 28]، الجواب: (أَنُلْزِمُكُمُوهَا)، أي: أنكرهكم على قبولها وأنتم لا تختارونها، وأما في قصة صالح: فهو (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ) [هود: 63]، الجواب: (فَمَنْ يَنصُرُنِي)، أي: أخبروني إن تركت البينة وتابعتكم، فمن يمنعني من عذاب الله، وليس في قصة لوط شيء من هذا.

ولما كانت الآيتان قريبتي العهد؛ لكونهما في هذه السورة، صلحتا أن تكونا قرينتين للحذف، والمقدر ها هنا هو قوله: "أيصح لي أن لا آمركم"، وهو اعتذار عما أنكروا عليه من تغيير المألوفات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015