[(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَماتَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)].
(وَرَزَقَنِي مِنْهُ) أي: من لدنه (رِزْقاً حَسَناً) وهو ما رزقه من النبوّة والحكمة. وقيل (رِزْقاً حَسَناً) حلالا طيباً من غير بخس ولا تطفيف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) [هود: 62]، ومعناه على ما ذكره: "كنا نرجوك لننتفع بك، ونسترشدك في التدابير، فلما نطقت بهذا القول انقطع رجاؤنا"، والدليل عليه موافقة الجوابين؛ قال هناك: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً) [هود: 63] الآية، وها هنا: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) [هود: 88] الآية، وهو من باب إرخاء العنان والكلام المنصف، يعني: صدقتم فيما قلتم أني لم أزل مرشداً لكم حليماً فيما بينكم، لكن ما جئت به ليس غير الإرشاد والنصيحة لكم، انظروا بعين الإنصاف- وأنتم ألباء- إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي، وكنت نبياً على الحقيقة، أيصح لي- وأنا مرشدكم وناصح لكم- أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان، والكف عن المعاصي، والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك.
ثم أكد معنى الإرشاد بقوله: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ)، وأدرج معنى الحلم في قوله: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، وأنى يستقيم هذا المعنى مع التهكم.
وأما معنى التعليل في قوله: (إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ): فإنهم كانوا يعدون صلاته- كما قال- من باب الجنون وما يتولع به المجانين والموسوسون، كأنهم قالوا: الذي أتيت به من