عن حذف الدراهم والدنانير وتقطيمها، وأرادوا بقولهم (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) نسبته إلى غاية السفه والغيّ، فعكسوا ليتهكموا به، كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبضّ حجره فيقال له: لو أبصرك حاتم لسجد لك. وقيل: معناه إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك، يعنون أنّ ما تأمر به لا يطابق حالك وما شهرت به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ما نشاء، وهذه نكتة".
قوله: (وتقطيمها): عطف على "حذف الدراهم والدنانير"، الأساس: "حذف ذنب فرسه: إذا قطع طرفه، وزق محذوف: مقطوع القوائم".
قوله: (نسبته إلى غاية السفه والغي): يريد: أن في قوله: (الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) استعارة تبعية، لأن الصفة المشبهة لا تقع فيها الاستعارة، لأن المستعار في الحقيقة موصوف، والصفات والأفعال والحروف بمعزل عن أن يقعن موصوفات، فتقع الاستعارة في مصادر الأفعال والصفات، وفي متعلق معاني الحروف، ثم تسري منها إلى الصفات والأفعال والحروف، فأشار بقوله: "السفه والغي" إلى المصدرين، يعني: استعار الحلم والرشد للسفه والغواية على التهكم، ثم سرت منهما إلى الحليم الرشيد.
قوله: (لا يبض حجره): قال في "الأساس": "بض الجر بقليل من الماء بضيضاً، ومن المجاز: ما يبض حجره: إذا لم يند له بخير، وما بض له بشيء من المعروف".
الجوهري: "بض الماء يبض بضيضاً وبضاً، أي: سال".
قوله: (إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك): فعلى هذا لا يكون تهكماً، وهو أولى، لأن هذا القول مثل قول قوم صالح قبل هذا: (يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ