[(وَلَقَدْ بَوَّانا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) 93]

(مُبَوَّأَ صِدْقٍ): منزلا صالحاً مرضيا، وهو مصر والشام، (فَمَا اخْتَلَفُوا) في دينهم، وما تشعبوا فيه شعباً، إلا من بعد ما قرؤُوا التوراة، وكسبوا العلم بدين الحق، ولزمهم الثبات عليه واتحاد الكلمة، وعلموا أن الاختلاف فيه تفرّق عنه.

وقيل: هو العلم بمحمد صلى الله عليه وسلم واختلاف بنى إسرائيل - وهم أهل الكتاب-: اختلافهم في صفته ونعته، وأنه هو أم ليس به. بعدما جاءهم العلم والبيان أنه هو لم يرتابوا فيه، كما قال الله تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة: 146، الأنعام: 20].

[(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ * وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ) 94 - 95].

فإن قلت: كيف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) مع قوله في الكفرة: (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) [هود: 110، فصلت: 45]؟ قلت: فرق عظيم بين قوله (وإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) بإثبات الشك لهم على سبيل التأكيد والتحقيق، وبين قوله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) بمعنى الفرض والتمثيل، كأنه قيل: فإن وقع لك شك مثلا، وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديراً (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ).

والمعنى: أن الله عز وجل قدم ذكر بني إسرائيل -وهم قرأة الكتاب-، ووصفهم بأنّ العلم قد جاءهم، لأنّ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فأراد أن يؤكد علمهم بصحة القرآن وصحة نبوّة محمد عليه السلام، ويبالغ في ذلك،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فأراد أن يُؤكد علمهم بصحة القرآن، وصحة نبوة محمد صلوات الله عليه): يعني: أن قوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015