فقال: فإن وقع لك شك فرضا وتقديراً، وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق، فسل علماء أهل الكتاب، يعنى: أنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك، وقتلها علماً، بحيث يصلحون لمراجعة مثلك ومساءلتهم، فضلا عن غيرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معناه: أن الذي قصصنا عليك من أخبار بني إسرائيل، وصحة القرآن، وصحة نبوتك: لا شك عندهم، وأنهم في رسوخ العلم فيه والثبات في اليقين، بحيث إن فُرض لك شك، كما تُفرض المحالات، يصح أن تزيل شكك باستخبارك إياهم، مع إنكارهم نبوتك، "والفضل ما شهدت به الأعداء"، وهو المراد من قوله: "وصف الأحبار بالرسوخ في العلم، لا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشك فيه".
قوله: (أنهم من الإحاطة): "من": يجوز أن تكون اتصالية، كقولك: أنا منك بفرسخين، أي: أنا منك بمسافة فرسخين، فعلى هذا: "مِن" إلى آخره: خبرُ "أنَّ"، ويجوز أن يكون التقدير: أنهم متمكنون من الإحاطة، و"بحيثُ" إلى آخره: حال، كقوله: (وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً) [هود: 72]، في أن الخبر لا يتم إلا بالحال، وأن تكون "مِن": ابتدائية، و"بحيث": خبرُ "أنَّ"، و"مِنَ الإحاطة": حال.
قوله: (وقتلها علماً): يُقال: قتلتُ الشيء خُبراً، قال الله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) [النساء: 157]، أي: لم يُحيطوا به علماً، قال الحماسي:
يروعك من سعد بن عمرو جسومها ... وتزهد فيها حين تقتلها خُبرا