وليكونوا ضلالا، وليطبع الله على قلوبهم، فلا يؤمنوا، وما علىّ منهم! هم أحق بذلك وأحق، كما يقوله الأب المشفق لولده الشاطر إذا ما لم يقبل منه، حسرة على ما فاته من قبول نصيحته، وحرداً عليه، لا أن يريد خلاعته وإتباعه هواه.
ومعنى الشدّ على القلوب: الاستيثاق منها، حتى لا يدخلها الإيمان، (فَلا يُؤْمِنُوا) جواب للدعاء الذي هو (اشدد)، أو دعاء بلفظ النهى،
وقد حملت اللام في (ليضلوا) على التعليل،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وما علي منهم! هم أحق بذلك): "ما" استفهامية أو نافية، يعني: كان موسى عليه السلام بعد الضجر حين لم يبق له حيلة، قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال، وأي شيء يلزمني من جانبهم حتى يطول علي تحسرهم؟ ثم استأنف: هم أحق بذلك وأحق، أو: ليثبتوا على ما هم عليه، وما يلزمني من جانبهم شيء، إني بالغت في الإنذار، وما على الرسول إلا البلاغ.
وقيل: "ما" موصولة، وهو مبتدأ، وقوله: "هم" خبره، وفيه تعسف وبُعد عن المقام.
قوله: (وقد حُملت اللام في (لِيُضِلُّوا)): هذا وجه آخر، وهذه العبارة مؤذنة بأن الوجه الأول أوجه، أي: أنك آتيت فرعون وملأه زينة ليضلوا عن سبيلك فلا يؤمنوا. وذكره الواحدي وقال: " (فَلا يُؤْمِنُوا) دعاء عليهم، والتأويل: فلا آمنوا".
قال صاحب "الفرائد": الوجه أن يُقال: إنها للتعليل، وإلا فما وجه قوله: (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وإنما عدل إلى أمر الغائب؛ ميلاً إلى مذهبه.
الانتصاف: "هذا اعتزال خفي؛ فراراً من أن تكون لام "كي"، فتدل على أن الله أمدهم لعلة الإضلال استدراجاً، كما قال: (لِيَزْدَادُوا إِثْماً) [آل عمران: 178]، ففر من هذا، وحمل على معتقده".