قلت: هو دعاء بلفظ الأمر، كقوله: (رَبَّنَا اطْمِسْ)، (وَاشْدُدْ)، وذلك أنه لما عرض عليهم آيات الله وبيناته عرضا مكرّرا، وردّد عليهم النصائح والمواعظ زماناً طويلا، وحذرهم عذاب الله وانتقامه، وأنذرهم عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال المبين، ورآهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفراً، وعلى الإنذار إلا استكبارا، وعن النصيحة إلا نبوّا، ولم يبق له مطمع فيهم، وعلم بالتجربة وطول الصحبة أنه لا يجيء منهم إلا الغي والضلال، وأنّ إيمانهم كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة، أو علم ذلك بوحي من الله، اشتد غضبه عليهم، وأفرط مقته وكراهته لحالهم، فدعا الله عليهم بما علم أنه لا يكون غيره، كما تقول: لعن الله إبليس، وأخزى الله الكفرة، مع علمك أنه لا يكون غير ذلك.
وليشهد عليهم بأنه لم يبق له فيهم حيلة، وأنهم لا يستأهلون إلا أن يخذلوا ويخلى بينهم وبين ضلالهم يتسكعون فيه، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (هو دعاء بلفظ الأمر): يُريد: أن القاتل كأنه يدعو الله أن يأمرهم- وهم غيبٌ- بأن يُضلوا عن الدين، والتقدير: ربنا أضلهم.
قوله: (اشتد غضبه): جواب "لما عرض"، وقوله: "وليشهد عليهم بأنه لم يبق له فيهم حيلة" عطف على قوله: "أنه لما عرض"، والظاهر أنه عطف على قوله: "بما علم أنه لا يكون غيره"، ليكون ما ذكر من المقدمات تمهيداً للدعاء، ويكون قوله: "ليشهد" مبنياً عليه، يعني: لما فعلوا كيت وكيت، ودعا عليهم، ليكون كالتسجيل على أنهم من أهل الخذلان، وعلامة لمن سمع به أنه لم يبق له فيهم حيلة.
قوله: (يتسكعون فيه)، الأساس: "فلان يتسكع: لايدري أين يتوجه، ومن المجاز: فلان يتسكع في أمره: لايهتدي لوجهه، وأراك متسكعاً في ضلالك".