ومرجعاً يرجعون إليه للعبادة والصلاة فيه، (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ) تلك (قِبْلَةً) أي: مساجد متوجهة نحو القبلة، وهي الكعبة، وكان موسى ومن معه يصلون إلى الكعبة، وكانوا في أوّل أمرهم مأمورين بأن يصلوا في بيوتهم في خفية من الكفرة، لئلا يظهروا عليهم، فيؤذوهم ويفتنوهم عن دينهم، كما كان المؤمنون على ذلك في أوّل الإسلام بمكة.

فإن قلت: كيف نوّع الخطاب، فثنى أوّلا، ثم جمع، ثم وحد آخراً؟ قلت: خوطب موسى وهارون عليهما السلام أن يتبوآ لقومهما بيوتا، ويختاراها للعبادة، وذلك مما يفوّض إلى الأنبياء، ثم سيق الخطاب عامّاً لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها، لأنّ ذلك واجب على الجمهور، ثم خص موسى عليه السلام بالبشارة التي هي الغرض، تعظيما لها وللمبشر بها.

[(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) 88].

الزينة: ما يتزين به من لباس أو حلى أو فرش أو أثاث أو غير ذلك، وعن ابن عباس: كانت لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت.

فإن قلت: ما معنى قوله (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ)؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نُكر أفاد القلة، ولهذا قيل: الجمع المنكر لا يستثني منه على الأكثر، فمعنى قوله: "بيوتاً من بيوته": بيوتاً متعددة من جملة بيوته المتكاثرة.

قوله: ((بُيُوتِكُمْ) تلك): إشارة إلى أن الإضافة في (بُيُوتِكُمْ) بمعنى لام العهد، وأن النكرة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015