وأجاب دعاءهم، ونجاهم وأهلك من كانوا يخافونه، وجعلهم خلفاء في أرضه، فمن أراد أن يصلح للتوكل على ربه والتفويض إليه، فعليه برفض التخليط إلى الإخلاص.
(لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً): موضع فتنة لهم، أي: عذاب يعذبوننا ويفتنوننا عن ديننا، أو فتنة لهم يفتتنون بنا ويقولون: لو كان هؤلاء على الحق لما أصيبوا.
[(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) 87].
(أن تبوءّأ) تبوأ المكان: اتخذه مباءة، كقولك: توطنه، إذا اتخذه وطناً. والمعنى اجعلا بمصر بيوتاً من بيوته مباءة لقومكما،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأجاب دعاؤهم ونجاهم): هذا يُعلم من قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ) [الدخان: 30 - 31].
قوله: (أو فتنة لهم يفتنون بنا): عن بعضهم: أصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الناس النار، وقال تعالى: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات: 13]، وسمي ما يحصل عنه العذاب فتنة، قال تعالى: (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [التوبة: 49]، ويستعمل في الاختبار، قال تعالى: (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه: 40]، وجُعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يُستعملان فيما يُدفع إليه الإنسان منشدة ورخاء، وهما في الشدة أكبر معنى وأكثر استعمالاً، وقد قال تعالى فيهما: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35]، وقال في الشر: (عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)، أي: يبتليهم ويعذبهم.
قوله: (والمعنى: اجعلا بمصر بيوتاً من بيوته مباءة لقومكما): يريد: أن (تَبَوَّءَا) مُتعد إلى مفعول واحد، تقول: تبوأت بيتاً وتبوأ القوم بيوتاً، فإذا أدخلت اللام قلت: تبوأت للقوم بيوتاً، صار ما كان فاعلاً مفعولاً، وتعدى إلى مفعولين.
قوله: (بيوتاً من بيوته): "مِن" فيه تبعيضية، واللفظان، وإن اتحدت صيغتهما في الجمع، لكن الثاني لما أضيف إلى المعرفة أفاد العموم والاستغراق، كما عُلم في الأصول، والأول لما