ثم شرط في التوكل الإسلام، وهو أن يسلموا نفوسهم لله، أي: يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها، لأن التوكل لا يكون مع التخليط، ونظيره في الكلام: إن ضربك زيد فاضربه إن كانت بك قوّة.
(فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا) إنما قالوا ذلك، لأنّ القوم كانوا مخلصين، لا جرم أنّ الله سبحانه قبل توكلهم،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم شرط في التوكل الإسلام): فهاهنا أشياء ثلاثة: الإيمان والتوكل والإسلام، والمراد بالإيمان: التصديق، وبالتوكل: إسناد الأمر إليه، وبالإسلام: إسلام النفس إليه وقطع الأسباب. فعلق التوكل بالتصديق بعد تعلقه بالإسلام؛ لأن الجزاء معلق بالشرط الأول، وتفسير للجزاء الثاني، كأنه قيل: إن كنتم مصدقين الله وآياته فخصوه بإسناد جميع الأمور إليه، وذلك لا يحصل إلا بعد أن تكونوا مخلصين لله مستسلمين أنفسكم له، ليس للشيطان فيكم نصيب، وإلا فاتركوا أمر التوكل.
فعُلم منه أنه ليس لكل من المؤمنين الخوض في التوكل، بل للآحاد منهم، وأن مقام التوكل دون مقام التسليم، وهذا يؤيد ما سبق لنا في قوله تعالى: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72]، والتصديق مصححة التوكل، وعليه ينطبق المثال، وهو قوله: "إن ضربك زيد فاضربه إن كانت بك قوة"، لأن مكافأة الضرب مشروط بوجدان القوة، وألا فالتحمل والاعتراف بالقصور.
والذي يؤيد أن التوكل متوقف على الإخلاص والتسليم قول المصنف: "إنما قالوا ذلك لأن القوم كانوا مخلصين"، وذلك أن موسى عليه السلام حين شرط عليهم في التوكل الإخلاص والتسليم، وهم أجابوه بحرف التعقيب دل على سبق الإخلاص على الإجابة.