(مِنْ بَعْدِهِ): من بعد نوح، (رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ) يعنى: هوداً وصالحاً وإبراهيم ولوطاً وشعيباً، (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ): بالحجج الواضحة المثبتة لدعواهم، (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا): فما كان إيمانهم إلا ممتنعاً كالمحال؛ لشدّة شكيمتهم في الكفر وتصميمهم عليه، (بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) يريد: أنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية مكذبين بالحق، فما وقع فصل بين حالتيهم؛ بعد بعثة الرسل وقبلها، كأن لم يبعث إليهم أحد.
(كَذلِكَ نَطْبَعُ): مثل ذلك الطبع المحكم نطبع (عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ)، والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم، لأنّ الخذلان يتبعه، ألا ترى كيف أسند إليهم الاعتداء ووصفهم به.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (فما كان إيمانهم إلا ممتنعاً كالمحال): هذه الاستحالة تستفاد من لام "كي" المؤكدة، كقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) [آل عمران: 161].
قوله: (والطبع جار مجرى الكناية عن عنادهم ولجاجهم): أي: الكناية التلويحية، وذلك أن من عاند وثبت على اللجاج خذله الله، ومنع عنه التوفيق واللطف، فلا يزال على هذا حتى يتراكم الرين، ويطبع على قلبه، قال تعالى: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ) [المطففين: 14]، والدليل على أن الطبع كناية عن العناد واللجاج: تصريح الاعتداء في قوله: (الْمُعْتَدِينَ)، قال القاضي: " (نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) بخذلانهم لانهماكهم في الضلال واتباع المألوف، وفي أمثال ذلك دليل على أن الأفعال واقعة بقدرة الله تعالى وكسب العبد".