يريد: أن ذلك مقتضى الإسلام، والذي كل مسلم مأمور به. والمراد أن يجعل الحجة لازمة لهم، ويبرئ ساحته، فذكر أن توليهم لم يكن تفريط منه في سوق الأمر معهم على الطريق الذي يجب أن يساق عليه، وإنما ذلك لعنادهم وتمرّدهم لا غير.
(فَكَذَّبُوهُ): فتموا على تكذيبه، وكان تكذيبهم له في آخر المدّة المتطاولة كتكذيبهم في أوّلها، وذلك عند مشارفة الهلاك بالطوفان، (وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ) يخلفون الهالكين بالغرق، (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) تعظيم لما جرى عليهم، وتحذير لمن أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثله، وتسلية له.
[(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) 74].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (يريد: أن ذلك مقتضى الإسلام، والذي كل مسلم مأمور به): يريد: أن قوله: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) جملة مذيلة للكلام السابق مقررة لمضمون معناه، وإلى التقرير والتأكيد الإشارة بقوله: "المراد أن يجعل الحجة لازمة لهم، ويبرئ ساحته".
وفيه أن من دعا الناس إلى هداية أو علمهم من علوم الدين شيئاً، وأخذ عليه الأجرة، خرج من جملة الورثة.
قوله: ((فَكَذَّبُوهُ) فتموا على تكذيبه): يعني: أن في تعقيب (فَكَذَّبُوهُ) بما سبق إشعاراً بتجدد التكذيب، وليس به، بل المراد التعاقب والاستمرار؛ لأن قول نوح عليه السلام: (إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ) لم يكن إلا عن تكذيب سابق منهم، يعني: كذبوه ابتداء، ثم بعد التذكير والنصح لم ينزلوا عن عادتهم من التكذيب، بل استمروا عليه، مثله في "القمر": (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا) [القمر: 9]، "أي: كذبوه تكذيباً عقيب تكذيب".