وقرئ: "ثم أفضوا إلىّ"، بالفاء بمعنى: ثم انتهوا إلىّ بشرّكم. وقيل: هو من: أفضى الرجل: إذا خرج إلى الفضاء، أي: أصحروا به إلىّ وأبرزوه لي
(فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ): فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي، (فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ): فما كان عندي ما ينفركم عنى وتتهموني لأجله من طمع في أموالكم، وطلب أجر على عظتكم، (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة، أي: ما نصحتكم إلا لوجه الله تعالي، لا لغرض من أغراض الدنيا، (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئا، ولا يطلبون به دنيا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأداء، ثم القضاء: إما بمعنى قطع الحكم وبته وتصحيحه، واستشهد له بقوله: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ)، قال: " (قضى) عُدي بـ "إلى"، لأنه ضُمن معنى "أوحينا"، كأنه قيل: أوحينا إليك مقضياً مبتوتاً"، وإما بمعنى قضاء الدين، والمعنى: أدوا إليَّ ما هو حق عليكم عندكم، أي: في معتقدكم، فعلى هذا فيه استعارة، ولهذا قال: "كما يقضي الرجلُ غريمه"، فكأنه كان في معتقدهم أن إهلاك نوح كالحق الثابت للرجل على غريمه، فلابد من استيفائه.
قوله: (فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي): إنما أعاد ذكر "تذكيري" ليؤذن أن هذا الشرط مرتبط بالشرط الأول، وأن المعنى: إن توليتم لأنكم ضجرتم عنين وشق عليكم طول مقامي وتذكيري، فابذلوا وسعكم في هلاكي وإبطال كيدي، ليظهر لكم أني ما أريد بذاك إلا نُصحكم وهدايتكم، وإن توليتم، لا أني طامع في أموالكم، وأطلب منكم أجر الموعظة، فاعلموا وأيقنوا أني ما نصحتكم إلا لوجه الله تعالى، لا لغرض من أغراض الدنيا.
وهذا يُنبئ أن نوحاً ما أتى بهذا النوع من الكلام إلا بعد مراجعات طويلة وإلزامهم الحجة، كما قالوا: (يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا) [هود: 32]، وأنه بذل وُسعهُ في