وما كانوا فيه معه من الحال الشديدة عليهم المكروهة عندهم، يعنى: ثم أهلكوني لئلا يكون عيشكم بسببي غصة، وحالكم عليكم غمة، أي، غما وهما، والغم والغمة، كالكرب والكربة. والثاني أن يراد به ما أريد بالأمر الأول، والغمة: السترة؛ من غمه: إذا ستره.
ومنها قوله عليه السلام: "ولا غمة في فرائض الله" أي: لا تستر، ولكن يجاهر بها، يعنى:
ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورا عليكم، ولكن مكشوفاً مشهوراً تجاهرونني به.
(ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ) ذلك الأمر الذي تريدون بى، أي: أدوا إلىَّ قطعه وتصحيحه، كقوله: (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) أو: أدّوا إلىّ ما هو حق عليكم عندكم من هلاكي، كما يقضى الرجل غريمه، (وَلا تُنْظِرُونِ): ولا تمهلوني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والغم والغمة كالكرب والكربة)، الراغب: "الغم: ستر الشيء، ومنه الغمام؛ لكونه سائراً لضوء الشمس والقمر، والغمي مثله، ومنه: غُم الهلال، ويوم غمُّن وليلة غمة وغُمي، وغمة الأمر، قال الله تعالى: (لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً)، أي: كربة، يُقال: غم وغمة؛ نحو: كرب وكربة، وناصية غماء: تستر الوجه".
قوله: (أن يُراد به ما أريد بالأمر الأول): وهو ما تريدون من إهلاكي وبذل الوُسع في كيدي، أي: لا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستوراً عليكم، لكن مكشوفاً، فـ (ثُمَّ) على هذا للتراخي في الرتبة، فإن المراد بالأمر الأول: القصد إلى إهلاكه مطلقاً، وبالثاني: ذلك القصد مع قيد كونه مزيلاً للغمة والكرب، ففي الكلام ترق من الأدنى إلى الأغلظ، ومثله قول الحماسي:
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة ... يرى غمرات الموت ثم يزورها
قوله: (أو: أدوا إليَّ ما هو حق عليكم): يريد: أن قوله: (ثُمَّ اقْضُوا) مضمن معنى