لا يزال هدمه سبب شكّ ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم، لا يزول وسمه عن قلوبهم، ولا يضمحلّ أثره "إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ" قطعاً، وتفرّق أجزاء، فحينئذ يسلون عنه، وأمّا ما دامت سالمة مجتمعة، فالريبة باقية فيها متمكنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم): قال الإمام: "لما صار بناء ذلك البنيان سبباً لحصول الريبة في قلوبهم، جعل نفس ذلك البنيان ريبة، وفيه وجوه: أحدها: أن المنافقين عظم فرحهم ببناء المسجد، فلما أمرهم بتخريبه ثقل ذلك عليهم، وازداد بغضهم له، وارتيابهم في نبوته. وثانيها: أنه لما أمر بتخريبه ظنوا أن ذلك للحسد، فارتفع أمانهم عنه، وعظم خوفهم، فارتابوا في أنه هل يتركوا على ما هم فيه، أو يؤمر بقتلهم ونهب أموالهم؟ وثالثها: اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في البناء، فلما أمر بتخريبه بقوا شاكين مرتابين في أنه لأي سبب أمر بتخريبه. والصحيح هو الأول".
وقلت: يمكن أن يرجح المعنى الثاني على أن الريبة محمولة على موضوعها الأصلي، قال الراغب: "الريبة: اسم من الريب"، وقال المصنف في قوله تعالى: (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة: 2]: "الريب مصدر: رابني، إذا حصل فيك الريبة، وحقيقة الريبة: قلق النفس واضطرابها، ومنه: ريب الزمان، وهو ما يُقلق النفوس ويشخص بالقلوب من نوائبه".
المعنى: لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا سبباً للقلق والاضطراب والوجل في الصدور، والشخوص في القلوب، إلى أن تقطع قلوبهم ما قال، فارتفع أمانهم عنه، وعم خوفهم على أنفسهم وأموالهم وذراريهم، والله تعالى أعلم.