فإن قلت: فما معنى قوله: (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ)؟ قلت: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل، قيل: (فانهار به في نار جهنم)، على معنى: فطاح به الباطل في نار جهنم، إلا أنه رشح المجاز، فجيء بلفظ "الانهيار" الذي هو للجرف،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (فما معنى قوله: (فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ)؟ ) يعني: حين جعلت (شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) مجازاً عما يُنافي التقوى، فأي مناسبة بينه وبين قوله: (فَانْهَارَ)؟

وأجاب: أنه متفرع على التشبيه، لأنه صفة ملائمة للمستعار منه ترشيحاً للاستعارة، ولما كان مبني الترشيح على تناسي التشبيه رأساً، وعلى صرف النفس عن توهمه أصلاً، قال: "وليُصور أن المبطل كأنه أسس بنياناً على شفا جُرفٍ من أودية جهنم، فانهار به ذلك الجرف، فهوى في قعرها".

قال القاضي: " (شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) في مقابلة التقوى، وترشيحه بانهياره في النار في مقابلة الرضوان؛ تنبيهاً على أن تأسيس ذاك على أمر يحفظه عن النار، ويوصله إلى رضوان الله ومقتضياته التي الجنة أدناها، وتأسيس هذا على ما هم بسببه على صدد الوقوع في النار ساعة فساعة، ثم إن مصيرهم إلى النار لا محالة".

وقلت: تمام تقريره: أنه قوبل (عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ) - المراد من قصد المؤمنين في تأسيسهم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، المنجح لمقاصدهم؛ من الظفر والنصرة في الدنيا، والفلاح بالعقبى، وهو الحق الثابت الواجب، المشبه بالقاعدة المحكمة القوية على الاستعارة المكنية- بقوله: (شَفَا جُرُفٍ هَارٍ)، وهو عزم المنافقين فيما أضمروا في تأسيسهم من الكيد بالمؤمنين، ثم خيبتهم فيما عزموا عليه، وهوا لباطل الزائل، المشبه بالقاعدة الرخوة الواهية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015