وليصور أنّ المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم، فانهار به ذلك الجرف، فهوى في قعرها.
والشفا: الحرف والشفير، وجرف الوادي: جانبه الذي يتحفر أصله بالماء، وتجرفه السيول فيبقى واهيا، والهار: الهائر، وهو المنصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط، ووزنه "فعل"؛ قصر عن "فاعل"، كخلف، من: خالف، ونظيره: شاك وصات، في: شائك وصائت، وألفه ليست بألف "فاعل"، إنما هي عينه، وأصله هور وشوك وصوت. ولا ترى أبلغ من هذا الكلام، ولا أدلّ على حقيقة الباطل وكنه أمره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم فرع على المستعار له "الرضوان" تجريداً، كما فرع على المستعار منه "الانهيار" ترشيحاً، وكلا التفريعين منبئان عن أقصى الدرجات وأبعد الدركات، وقوبل الواو في (وَرِضْوَانٍ) بالفاء في (فَانْهَارَ)، وكلا التفريعين منبئان عن استعارتين، للدلالة على أن التقوى تقتضي مسببات خارجة عن الحد والعد، وهو على منوال: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) [الزمر: 71]، و (إِذَا جَاءُوهَا وفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) [الزمر: 73].
قوله: (وليُصوِّر): عطف على محذوف، يعني: لما أراد أن يُقال: فطاح به، رشح المجاز وقال: (فَانْهَارَ)، ليكون أبلغ، وليصور أن المبطل.
قوله: (والشفا: الحرف)، الراغب: "شفا البئر والنهر: طرفه، ويُضرب به المثل في القرب من الهلكة، قال تعالى: (وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا) [آل عمران: 103]، وأشفى على الهلاك، أي: حصل على شفاه، وتثنيته: شفوان، والفاء من المرض: موافاة شفا السلامة، وصار اسماً للبرء".
قوله: (وأصله: هورٌ): قال الزجاج: "ومعنى (هَارٍ): هائر، وهذا من المقلوب، كما قالوا: شاك السلاح، يريدون: شائك".