فاشتغلت قلوبهم فقال بعضهم: لا عليكم، فإنما هو أذن سامعة قد سمع كلام المبلغ فأذن، ونحن نأتيه فنعتذر إليه، فيسمع عذرنا أيضاً، فيرضى، فقيل: هو أذن خير لكم.
وقرئ: "أذن خير لكم"؛ على أن "أذن" خبر مبتدأ محذوف، و"خير" كذلك، أي: هو أذن هو خير لكم، يعنى: إن كان كما تقولون فهو خير لكم، لأنه يقبل معاذيركم، ولا يكافئكم على سوء دخلتكم. وقرأ نافع بتخفيف الذال.
فإن قلت: لم عدّى فعل الإيمان بالباء إلى الله، وإلى المؤمنين باللام؟ قلت: لأنه قصد التصديق بالله الذي هو نقيض الكفر به، فعدّي بالباء،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى الثاني: المقول المتأذي منه غير مذكور، و (يُؤْذُونَ) معبر عنه، (وَيَقُولُونَ) عطف عليه، لقوله: "ذموه وبلغة ذلك" إلى قوله: "لا عليكم، فإنما هو أذن سامعة".
قال الزجاج: "من المنافقين من كان يعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن بلغه عني حلفت له وقبل مني، لأنه أذن يسمع العذر، فأعلم الله تعالى أنه أذن خير، أي: مستمع خير لكم، ثم بين ممن يقبل، فقال: (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا)، أي: هو أذن خير لكم، لا أذن شر؛ يسمع ما أنزله الله عليه، فيصدق به، ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به، ورحمة للمؤمنين منكم"، ويعلم منه: أنه لا يقبل منهم، ولا يسمع عذرهم ولا يرحمهم، لأنهم ليسوا بمؤمنين.
قوله: (وقرئ: "أذن خير لمك"): قال أبو البقاء: " (خيرٌ) على هذا صفة "أذن"، أي: أذن ذو خير، ويجوز أن يكون "خير" بمعنى "أفعل"، أي: أذن أكثر خيراً لكم".
قوله: (سوء دخلتكم)، الأساس: "إنه لخبيث الدخلة وعفيف الدخلة، وهو باطن أمره، وأنا عالم بدخلة أمرك". الجوهري: "داخلة الرجل: باطن أمره، وكذلك الدخلة بالضم".