مراعاة لما رأى الله من المصلحة في الإبقاء عليكم، فهو أذن كما قلتم، إلا أنه أذن خير لكم، لا أذن سوء، فسلم لهم قولهم فيه، لا أنه فسر بما هو مدح له وثناء عليه، وإن كانوا قصدوا به المذمّة والتقصير بفطنته وشهامته، وأنه من أهل سلامة القلوب والغرّة. وقيل: إنّ جماعة منهم ذمّوه صلوات الله عليه وسلامه وبلغه ذلك،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (في الإبقاء عليكم)، الجوهري: "أبقيت على فُلان: إذا أرعيت عليه ورحمته".
قوله: (فسلم لهم قولهم فيه، إلا أنه فُسر بما هو مدح له وثناء عليه): يعني أنه من باب القول بالموجب، قال صاحب "الانتصاف": "ولا شيء أبلغ في الرد من هذا الأسلوب، لأن فيه إطماعاً في الموافقة، وكذا على إجابتهم بالإبطال، هو كالقول بالموجب في استعمال الفقهاء". وقلت: مثاله قولهم: الخيل يسابق عليها، فتجب الزكاة فيها كالإبل، فيُقال: مسلم في زكاة التجارة، أي: نحن نقول بموجبه في مال التجارة، والخلاف في زكاة العين.
قوله: (بفطنته): صلة "التقصير"، وقوله: "وأنه من أهل سلامة القلوب": عطف على "المذمة"، المعنى: أنهم قصدوا بقولهم: (هُوَ أُذُنٌ) قلة فطنته وشهامته، وقصدوا به أنه صلى الله عليه وسلم سليم القلب غر غير مُجرب الأمور.
قوله: (وشهامته): شهم الرجل - بالضم- شهامة فهو شهم، النهاية: "كان شهماً، أي: نافذاً في الأمور ماضياً، والشهم: الذكي الفؤاد".
قوله: (وقيل: إن جماعة منهم ذموه) عطف على قوله: "الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما سمع ويقبل"، والفرق: أن على الأول المقول المتأذي منه لفظ (هُوَ أُذُنٌ)، لقوله: "وإيذاؤهم له هو قولهم فيه: هُوَ أُذُنٌ"، (وَيَقُولُونَ) في التنزيل عطف تفسير لقوله: (يُؤْذُونَ النَّبِيَّ).