وقصد السماع من المؤمنين، وأن يسلم لهم ما يقولونه، ويصدّقه، لكونهم صادقين عنده، فعدّى باللام، ألا ترى إلى قوله: (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف: 17] ما أنبأه عن الباء. ونحوه: (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) [يونس: 83]، (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (الشعراء: 111)، (قال آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ) [طه: 71].
فإن قلت: ما وجه قراءة ابن أبى عبلة: "ورحمة" بالنصب؟ قلت: هي علة معللها محذوف تقديره: "ورحمة لكم يأذن لكم"، فحذف لأنّ قوله: (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) يدل عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وأن يسلم لهم ما يقولونه): أي: (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) مضمن معنى التسليم، فالأحسن أن يُضمن (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ) معنى الوثوق والاعتراف، فيكون المعنى: هو أذن خير يسمع آيات الله ودلائله، فيعترف بصدقها ويشق بها، ويستمع إلى المسلمين، فيسلم لهم ما يقولون، ويصدقهم.
وفيه تعريض بأن المنافقين أذن شر يسمعون آيات الله، ولا يثقون بها، فيعرضون عنها، ويسمعون قول المسلمين فلا يسلمون لهم قولهم، ولا يقبلون نصيحتهم.
أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل قول المنافقين، ولا يسمع إلى خداعهم، وهذا أوجه في الرد، أي: يقبل قول المسلمين ولا يقبل قول المنافقين.
قوله: (ما أنباه): أي: ما أشده نبوا عن استعمال الباء، أي: ألا ترى إلى قوله: (وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا) [يوسف: 17] كيف كان بعيداً عن استعمال الباء، لأن قوله: (بِمُؤْمِنٍ لَنَا): بمصدق لنا، لقوله بعده: (وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [يوسف: 17].