ثم وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم، لا للدين وما فيه صلاح أهله، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم، فضج المنافقون منه، (وإذا) للمفاجأة، أي: وإن لم يعطوا منها فاجؤوا السخط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ثم وصفهم بأن رضاهم): يريد أنه تعالى لما ذكر أن بعضاً من المنافقين عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الصدقات، بين بعد ذلك بقوله: (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسمها للدين وصلاح أهله، لا للأغراض النفسانية، وهؤلاء لما كانت أغراضهم نفسانية، ورضاهم وسخطهم لمجرد الإعطاء والمنع، منعهم إياها، فطعنوا فيه وعابوه.
وينطبق على هذا قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) الآية [التوبة: 60]، فإنه تعالى صدر الجملة بأداة الحصر المستدعية لإثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه، يعني: أن الذي ينبغي أن تُقسم الصدقات عليه هو الموصوف بإحدى الصفات المذكورة دون غيره، لأن سبب الاستحقاق صلاح الدين وصلاح أهله، لا الفساد، وأن المنافقين لا يستحقونها، لأنه ليس منهم سوى الفساد، ويؤيد هذا الترتيب قول المصنف: "دل بكون هذه الأوصاف مصارف الصدقات، على أنهم ليسوا منهم، حسماً لأطماعهم في جواب قوله: "كيف وقعت هذه الآية في تضاعيف ذكر المنافقين".
قوله: (و (إذَا) للمفاجأة): قال أبو البقاء: " (إذَا) هاهنا ظرف مكان، وجُعلت في جواب الشرط كالفاء، لما فيها من المفاجأة، ما بعدها ابتداء وخبر، والعامل فيها (يَسْخَطُونَ) ".