الكاف في محل الرفع، أي: دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون. ودأبهم: عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه، : أي داوموا عليه وواظبوا، و (كَفَرُوا) تفسير لدأب آل فرعون. (وذلِكَ) إشارة إلى ما حل بهم. يعنى: ذلك العذاب -أو: الانتقام- بسبب أن الله لم ينبغ له، ولم يصحّ في حكمته، أن يغير نعمته عند قوم (حَتَّى يُغَيِّرُوا) ما بهم من الحال.
فإن قلت: فما كان من تغيير آل فرعون ومشركي مكة، حتى غير الله نعمته عليهم، ولم تكن لهم حال مرضية، فيغيروها إلى حال مسخوطة؟ قلت: كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة، تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم كفرة عبدة أصنام، .........
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجاب عنه بوجهين:
أحدهما: أن نفي الظلم الكثير عند وجود العقاب العظيم من العادل: عبارة عن حصول الذنب العظيم من المعذب. مثاله: أنا إذا نظرنا إلى من يُعذب شخصاً بأنواع العقاب، ويبالغ في التشديد، وقطعنا النظر عن الموجب، حكمنا بأن المعذب ظالم كثير الظلم، أما لو علمنا أنه عادل لا يضع الشيء إلا في موضعه قطعنا بأن المعذب مستوجب لذلك، لأنه متمرد متجاوز في الذنب حده.
وثانيهما: أن قوله: "ظلام" مقترن بقوله: (لِلْعَبِيدِ)، وهو جمع محلي بلام الاستغراق، فإذا وُزع نفي الظلم عن كل فرد فرد من أفراد هذا العام، فصح أن يُقال: (لَيْسَ بِظَلاَّمٍ)، كما قال في سورة (ق): "هو ظالم لعبده، وظلام لعبيده"، يعني: المناسب أن يُقال: ظالم لعبده وظلام لعبيده، إذ لو عكس وقال: ظلامٌ لعبده وظالم لعبيده، لم يتطابق، اللهم إلا أن يعتبر كثرة ذنبه أو عظمه.
قوله: (وأولئك كانوا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم كفرة عبدة أصنام) إلى آخره: قيل: إنهم