فلما بعث إليهم بالآيات البينات، فكذبوه، وعادوه، وتحزبوا عليه، ساعين في إراقة دمه، غيروا حالهم إلى أسوأ مما كانت، فغيرَّ الله ما أنعم به عليهم من الإمهال، وعاجلهم بالعذاب.
(وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ) لما يقول مكذبو الرسل (عَلِيمٌ) بما يفعلون.
(كَدَابِ آلِ فِرْعَوْنَ) تكرير للتأكيد، وفي قوله: (بِايتِ رَبِّهِمْ) زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق، وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ بالذنوب، (وَكُلٌّ كانُوا ظلِمِينَ): وكلهم من غرقى القبط وقتلى قريش كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي.
[(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ عهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ* فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) 55 - 57]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
لما كانوا متمكنين من الإيمان، ثم تركوا ذلك ولم يؤمنوا، كأن ذلك كان حاصلاً لهم فغيروه، كقوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى) [البقرة: 16 و 175].
وقلت: تحريره: أن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في نفسها نعمة دونها كل نعم، فلما نسي المشركون هذه النعمة الأسنى وتلك الآيات العظمى، وكانوا متمكنين من قبولها والاهتداء بهديها، فلما امتنعوا منه واضطروه إلى المهاجرة، ثم استأصل شأفتهم يوم بدر، قيل ذلك لهم. وعلى هذا أمر فرعون مع موسى عليه السلام، ويؤيده قوله هاهنا: (كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ).
قوله: ((كَدَابِ آلِ فِرْعَوْنَ) تكرير للتوكيد، وفي قوله: (بِآيَاتِ اللَّهِ) زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق): قال القاضي: "يعني: كرر (كَدَابِ آلِ فِرْعَوْنَ) للتأكيد، ولما نيط به من الدلالة على كفران النعم بقوله: (بِآيَاتِ اللَّهِ)، وبيان ما أخذ به آل فرعون".