(وَ) اذكر (إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن إتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم، فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أي: بطل كيده حين نزلت جنود الله، وكذا عن الحسن رحمه الله: كان ذلك على سبيل الوسوسة، ولم يتمثل لهم.

وقيل: لما اجتمعت قريش على السير ذكرت الذي بينها وبين بني كنانة من الحرب، فكان ذلك يثنيهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم؛ الشاعر الكناني، وكان من أشرافهم في جند من الشياطين معه راية، وقال: لا غالب لكم اليوم، وإنى مجيركم من بني كنانة، فلما رأى الملائكة تنزل، نكص، وقيل: كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نكص قال له الحارث: إلى أين؟ أتخذ لنا في هذه الحال؟ فقال: إني أرى مالا ترون، ودفع في صدر الحارث وانطلق، وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم، فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (نكص الشيطان)، الجوهري: "النكوص: الإحجام عن الشيء، يُقال: نكص على عقبيه ينكص وينكص، أي: رجع".

قوله: (وقيل: ولما اجتمعت قريش): عطف من حيث المعنى على قوله: "وسوس إليه"، فالقول في قوله تعالى: (وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ) مجاز عن الوسوسة، والنكوص استعارة تمثيلية ما تقول: أراك أيها المفتي، تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، ولذلك قال في تفسير (نَكَصَ): "بطل كيده، يدل عليه قول الحسن: كان ذلك على سبيل الوسوسة، ولم يتمثل لهم"، وعلى الثاني: الكل مجراة على الحقيقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015