نحو ما وقع لهم بأحد لمخالفتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من فشلهم وذهاب ريحهم. (كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ): هم أهل مكة حين نفروا الحماية العير، فأتاهم رسول أبي سفيان، وهم بالجحفة: أن ارجعوا، فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل، وقال: حتى نقدم بدراً نشرب بها الخمور، وتعزف علينا القيان، ونطعم بها من حضرنا من العرب. فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم، فوافوها، فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان، فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم، وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله، مخلصين أعمالهم لله.

[(وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) 48].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.

قوله: (نحو ما وقع لهم بأُحد): منصوب على أنه مفعول به لـ "حذرهم"، وفيه أن قوله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا) الآية [الأنفال: 46]، وإن وقعت في أثناء قصة بدر، لكنها معترضة، والأمر عام في جميع المواطن، لأن حرب أد وقعت بعد حرب بدر بزمان.

وهذا يقوى أن هذه السورة نازلة في بيان تعداد أحوال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حالاً فحالاً، من غير ترتيب، ليكثر الحالات، وأن حمل قوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ) [الأنفال: 17] على قصة بدر، وقوله: (وَمَا رَمَيْتَ) [الأنفال: 17] على قصة حنين، صحيح.

قوله: (وتعزف علينا)، النهاية: "العزف: اللعب بالمعازف، وهي الدفوف وغيرها مما يُضرب، وقيل: إن كل لعب عزف".

قوله: (وأن يكونوا من أهل التقوى): أي: نهى المسلمين أن يكونوا بطرين، وأمرهم أن يكونوا متقين، وهو من باب:

علفتها تبناً وماء بارداً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015