[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) 46]
(إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً): إذا حاربتم جماعة من الكفار، وترك أن يصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار. واللقاء: اسم للقتال غالب، (فَاثْبُتُوا) لقتالهم ولا تفرّوا، (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً) في مواطن الحرب مستظهرين بذكره، مستنصرين به،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
فإن قلت: "لكن" تقتضي أن يكون ما قبلها مخالف لما بعدها، وقوله: (وَلَوْ أَرَاكَهُمْ .. لَفَشِلْتُمْ) [الأنفال: 43] معناه: ما أراكهم كثيراً وما فشلتم، فأين مقتضى ذلك؟
قلت: هو استدراك من كلام مقدر، أي: ما فشلتم فسلمتم فلا تحسبوا أن تلك السلامة الموجبة للنصرة كانت منكم، لكن الله سلمكم ونصركم، كقوله: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) [الأنفال: 17]؛ إن افتخرتم بقتلهم فإنكم ما قتلتموهم، ولكن الله قتلهم، وما رميت إذ رميت.
وفي وضع اسم الله تعالى موضع المضمر إشعارٌ بأن الأمر عظيم الشأن، فلا يصدرن ذلك إلا عن باهر السلطان، وفيها رد للمعتزلة؛ لأنه نفي أن يكون سبب المسبب سبباً.
ويجوز أن تُحمل "لو" على معنى: أي: إن فُرض إراءتكم كثيراً لفشلتم ووقعتم في العطب، ولكن لم يحصل المفروض، أي: الإراءة، فلم يحصل العطب، فوضع المسبب موضع السبب.
قوله: (ترك أن يصفها): أي: ترك وصف قوله: (فِئَةً)، أي: أطلقها ولم يقيدها بالكفار؛ لقرينة قوله: (إِذَا لَقِيتُمْ)، لأن المؤمنين ما كانوا يلقون إلا الكفار، واللقاء أيضاً مبهم، ولكن أغلب استعماله في القتال، وعلى هذا (فَاثْبُتُوا).