قال ابن مسعود رضي الله عنه: " لقد قللوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي: أتراهم سبعين؟ قال: أراهم مئة، فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا له: كم كنتم؟ قال. ألفاً، (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال قائل منهم: إنما هم أكلة جزور.

فإن قلت: الغرض في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهر، فما الغرض في تقليل المؤمنين في أعينهم؟ قلت: قد قللهم في أعينهم قبل اللقاء، ثم كثرهم فيها بعده؛ ليجترئوا عليهم، قلة مبالاة بهم، ثم تفجأهم الكثرة فيبهتوا ويهابوا، وتفل شوكتهم حين يرون ما لم يكن في حسابهم وتقديرهم، وذلك قوله: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَايَ الْعَيْنِ) [آل عمران: 13]، ولئلا يستعدوا لهم، وليعظم الاحتجاج عليهم باستيضاح الآية البينة من قلتهم أوّلا وكثرتهم آخراً.

فإن قلت: بأي طريق يبصرون الكثير قليلا؟ قلت: بأن يستر الله بعضه بساتر، أو يحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير، كما أحدث في أعين الحول ما يرون به الواحد اثنين. قيل لبعضهم: إن الأحول يرى الواحد اثنين، وكان بين يديه ديك واحد فقال: فمالي لا أرى هذين الديكين أربعة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (أكلة جزور): يُضرب في القلة والأمر الذي لا يُعبأ به. الجوهري: "قولهم: هم أكلة رأس، أي: قليل يشبعهم رأس واحد، وهو جمع آكل".

قوله: (أو يُحدث في عيونهم ما يستقلون به الكثير): قال في "الانتصاف": "فيه دليل بين على أن الله هو الذي يخلق الإدراك في الحاسة، ويكون غير موقوف على سبب من مقابلة أو ارتفاع حُجب وغيرها، إذ لو كانت هذه الأسباب موجبة للرؤية عقلاً، لما أمكن أن يستتر عنهم البعض ويدركوا البعض، فيجوز خلق الإدراك مع انتفاء هذه الأسباب، وأن لا يخلقه مع اجتماعها، وهو رد على من أنكر رؤية الله تعالى". انتهى كلامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015