فأما ما يثاب عليه العبد ويعاقب من أفعال القلوب فلا، والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر، وبينه وبين الكفر إذا آمن، تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (والمجبرة على أنه يحول بين المرء والإيمان إذا كفر، وبينه وبين الكفر إذا آمن): روى هذه العبارة محيي السنة عن سعيد بن جبير وعطاء، وروى عن السدي قريباً منه: وقال الإمام: "إن الأحوال القلبية: إما العقائد وإما الإرادات والدواعي، فالعقائد: إما العلم وإما الجهل، أما العلم فهو من الله، وأما الجهل فكذلك، لأن الإنسان لا يختار الجهل لنفسه، وأما الدواعي والإرادات فحصولها إن لم يكن بفاعل لزم الحدوث لا عن محدث، ولا يجوز أن يكون محدثه العبد، وإلا لزم توقف ذلك القصد على قصد آخر، إلى ما لا نهاية له، فتعين أن يكون الفاعل الله".
وقلت: قضية النظم وسياق الآيات راجع إلى إثبات مسألة العلم وخلق الداعية، كما عليه مذهب أهل السنة والجماعة، وبيانه: أنه تعالى لما نص بقوله: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ) الآية [الأنفال: 23]، على أن الإسماع لا ينفع فيهم؛ تسجيلاً على أولئك الصم البكم؛ من على المؤمنين بما منحهم من الإيمان، ويسر لهم من الطاعات، كما قال صلى الله عليه وسلم: "كل مُيسر لما خلق له"، يعني: أنكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم، فإنهم إنما امتنعوا عن الطاعة لأنهم ما خلقوا إلا للكفر، فما تتيسر لهم الاستجابة، وأنتم لما منحتكم الإيمان ووفقتكم الطاعة فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفار وطلب الحياة الأبدية واغتنموا تلك الفرصة، واعلموا أن الله يحول بني المرء وقلبه؛ بأن يحول بينه وبين الإيمان، وبينه وبين الطاعة، ثم يجازيه في الآخرة بالنار.