قال: كنت أصلي، قال: "ألم تخبر فيما أوحي إلىّ: (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)؟ ! " قال: لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك.
وفيه قولان: أحدهما: إن هذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والثاني: أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير، وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته. (لِما يُحْيِيكُمْ) من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أنّ الجهل موت. ولبعضهم:
لَا تُعْجِبَنَّ الْجَهُولَ حُلَّتُهُ ... فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنُ
وقبل: لمجاهدة الكفار، لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم، كقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَيوةٌ) [البقرة: 179]، وقيل: للشهادة، لقوله: (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [عمران: 169].
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) يعنى: أنه يميته، فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب، ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليماً كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله، (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة.
وقيل: معناه: إنّ الله قد يملك على العبد قلبه، فيفسخ عزائمه، ويغير نياته ومقاصده، ويبدله بالخوف أمناً وبالأمن خوفاً، وبالذكر نسياناً، وبالنسيان ذكراً، وما أشبه ذلك مما هو جائز على الله عَزًّ وجَلَّ، ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فعلى هذا الوجه: الدعاء والاستجابة جاريان على الحقيقة، كما كان في الوجه الأول الدعاء مجازاً عن البعث والتحريض، والاستجابة عن الطاعة والامتثال.
قوله: (لا تعجبن الجهول) البيت: من قول أبي الطيب:
لا يعجبن مضيما حسن بزته ... وهل يروق دفيناً جودة الكفن