(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً): وفرقناهم فيها، فلا يكاد يخلو بلدٌ من فرقةٍ منهم، (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ): الذين آمنوا منهم بالمدينة، أو الذين وراء الصين، (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ): ومنهم ناسٌ دون ذلك الوصف منحطون عنه، وهم الكفرة والفسقة.

فإن قلت: ما محل (دون ذلك)؟ قلت: الرفع، وهو صفةٌ لموصوفٍ محذوف، معناه: ومنهم ناسٌ منحطون عن الصلاح، ونحوه: (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات: 164]، بمعنى: وما منا أحدٌ إلا له مقام، (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ): بالنعم والنقم، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ): فينيبون.

(فَخَلَفَ) مِن بعد المذكورين (خَلْفٌ) وهم الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وَرِثُوا الْكِتابَ): التوراة، بقيت في أيديهم بعد سلفهم يقرؤونها، ويقفون على ما فيها من الأوامر والنواهي والتحليل والتحريم، ولا يعملون بها، (يَاخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) أي: حطام هذا الشيء الأدنى، يريد: الدنيا وما يتمتع به منها. وفي قوله: (هذَا الْأَدْنى) تخسيسٌ وتحقير. والأدنى: إما من الدنوّ بمعنى: القرب، لأنه عاجلٌ قريبٌ، وإما من دُنوّ الحال وسقوطها وقلتها، والمراد: ما كانوا يأخذونه من الرشا في الأحكام على تحريف الكلم للتسهيل على العامة، (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا): لا يؤاخذنا الله بما أخذنا، وفاعلُ (سَيُغْفَرُ) الجار والمجرور، وهو (لَنا)،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: ((منهم الصالحون): الذين آمنوا منهم بالمدينة): والظاهر خلافه، لما يقتضيه النظم، لقوله: (فخلف من بعدهم خلف) كما سيجيء بيانه.

قوله: ((خلف))، النهاية: "الخلف - بالتحريك والسكون -: من يجيء بعد من مضى، إلا أنه بالتحريك في الخير، وبالتسكين في الشر، يقال: خلف صدق، وخلف سوء، ومعناهما جميعاً: القرن من الناس".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015