(تَأَذَّنَ رَبُّكَ): عزم ربك، وهو تفعل؛ من الإيذان وهو الإعلام، لأنّ العازم على الأمر يحدّث نفسه به ويؤذنها بفعله، وأجري مجرى فعل القسم، كعلم الله، وشهد الله. ولذلك أجيب بما يجاب به القسم وهو قوله: (لَيَبْعَثَنَّ) والمعنى: وإذ حتم ربك وكتب على نفسه ليبعثنَّ على اليهود) إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ)، فكانوا يؤدّون الجزية إلى المجوس، إلى أن بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فضربها عليهم، فلا تزال مضروبةً عليهم إلى آخر الدهر. ومعنى (ليبعثنّ عليهم): ليسلطنّ عليهم، كقوله: (بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد) [الإسراء: 5].

[(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَاخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَاتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَاخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ)].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لأن العازم على الأمر يحدث نفسه): تعليل لقوله: " (تأذن ربك): عزم ربك". يعني: إنما عبر عن العزم بالإذن، لأن العازم على الأمر يشاور نفسه في الفعل والترك، ثم يجزم على الفعل، ويطلب من النفس الإذن بالفعل. فكنى عن العزم بالإذن، ليعلم أن العزم لم يكن إلا بعد إتقان ومشورة. ولما كان العازم جازماً على الشيء قاطعاً، كان معنى "عزم": جزم وقضى، فصار كفعل القسم في التأكيد، فأجيب بما يجاب به القسم.

قال الزجاج: "قيل: (تأذن): تألى. وقيل: (تأذن): أعلم. والعرب تقول: تعلم أنه كذا وكذا، في معنى: أعلم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015