كان ذلك عبثاً منك، ولم يكن إلا سبباً للتلهي بك! وأما الآخرون فإنما لم يعرضوا عنهم إمّا لأن يأسهم لم يستحكم كما استحكم يأس الأولين، ولم يخبروهم كما خبروهم، أو لفرط حرصهم وجدّهم في أمرهم كما وصف الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام في قوله: (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الكهف: 6]، وقيل: الأمةُ: هم الموعوظون، لما وعظوا قالوا للواعظين: لم تعظون منا قوماً تزعمون أنّ الله مهلكهم أو معذبهم؟ وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يا ليت شعري ما فعل بهؤلاء الذين قالوا: (لم تعظون قوماً)؟ قال عكرمة: فقلت جعلني الله فداك، ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: (لم تعظون قوماً الله مهلكهم)؟ فلم أزل به حتى عرفته أنهم قد نجوا. وعن الحسن: نجت فرقتان وهلكت فرقة، وهم الذين أخذوا الحيتان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وقيل: الأمة: هم الموعوظون) قيل: هو معطوف على قوله: "من فريق الناجين"، والظاهر: أنه عطف على قوله: "جماعة من أهل القرية، من صلحائهم".
والسؤال والجواب مستدرك؛ لما علم من تقريره السابق أن القوم افترقوا فرقاً: فرقةً وعظوا، والثانية القائلة: (لم تعظون) هم الصلحاء منهم. وكان حقه أن يقول: الفرقة التي قالت: (لم تعظون) هل نجت أم لا؟ كما التبس على ابن عباس.
ولعل التكرير في السؤال والجواب لتعليق الزيادات عليه.
قوله: (لم تعظون منا قوماً؟ ): "من": تجريدية، مثل: رأيت منك أسداً.
قوله: (ما فعل بهؤلاء الذين قالوا): روى محيي السنة: أن ابن عباس قال: نسمع الله يقول: (أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا)، فلا أدري ما فعلت الفرقة