ليعلم أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوه وكرمه أعظم وأجل، ولكن لا بدّ من حفظ الشريطة، وهي وجوب التوبة والإنابة، وما وراءه طمعٌ فارغٌ وأشعبيةٌ باردة، لا يلتفت إليها حازم.
[(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)].
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) هذا مثل، كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: قل لقومك كذا وألق الألواح، وجرّ برأس أخيك إليك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة ولم يستفصحها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ليعلم أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوة وكرمة أعظم وأجل)، أخذ هذا المعنى من أبي نواس:
يا رب، إن عظمت ذنوبي كثرةً ... فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن ... فبمن يلوذ ويستجير المجرم!
قوله: (وما رواءه طمع فارغ) تعريض بأهل السنة، وهم لا يمتنعون في هذه الآية من حفظ تلك الشريطة، لأن التوبة فيها مقترنة بالإيمان، مصحوبة به، والآية بجملتها تذييل لحديث عبدة العجل، وإنما الكلام في توبة المؤمن الموحد المرتكب للمعاصي.
قوله: (هذا مثل) أي: ليس بحقيقة، وهو استعارة مكنية مقارنة بالتخييلية.
شبه الغضب بإنسانٍ يغري موسى عليه السلام ويقول له: افعل كذا وكذا، ثم يترك كلامه، ويترك الإغراء.