فإن قلت: ما معنى (لَنْ)؟ قلت: تأكيد النفي الذي تعطيه «لا» وذلك أن «لا» تنفى المستقبل، تقول: لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً. والمعنى: أنّ فعله ينافي حالي، كقوله: (لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) [الحج: 73]، .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (أن فعله ينافي حالي) يرده قوله: "فإذا أكدت نفيها، قلت: لن أفعل غداً" فيه إخبار عن عدم مباشرته الفعل على التأكيد، فهو كقولك: هو لا يفعل، لا تفعل، فكما أن هذا لا يدل على المنافاة، فكذا ذلك، بل يدل على أن حاله مستدعية له فينفيه على التأكيد، لأن ما يؤكد نفيه يمكن وقوعه.
ويشهد لذلك ما رواه مسلم عن جابر: أن رجلاً ممن هاجر إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم مرض، فجزع، فأخذ مشاقص، فقطع براجمه، فمات به، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، وهيئته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع ربك بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلي الله عليه وسلم: "اللهم وليديه فاغفر".
ولو كان إصلاح ما أفسد مما هو منافٍ لحاله، وكان مفهوماً من هذا التركيب، لأمسك من هو أفصح الخلق عن الدعاء.
وأما قوله: (لن يخلقوا ذبابا) [الحج: 73] فالمنافاة تفهم من دليلٍ خارجي.